محمد سلام يتسائل من خلال صوت جماهير ارمنت وبقول
وأين مشروعات الاكتفاء الزاتى ؟!
اخترت مدخلا لهذا الحديث ـ كقضية أمن قومي ـ واقعة تابعتها عن قرب، بمناسبة زيارتي الى للخليج ( الامارات . السعوديه ) في يوليو2007 وأتيح لنا الاتفاق على انشاءعدة مشروعات صناعيه فى مصر،فارودتنى فكرة وهي مشروع إنشاء مدينة صناعية تكنولوجية متقدمة على مساحات شاسعة بارمنت يكون إنتاجها مخصصا في المقام الأول للتصدير الى الأسواق القريبة، في إفريقيا والعالم العربي.. وتسهم المدينة في حل جانب مهم من مشكلة البطالة في مصر، وتوفير فرص عمل للشباب، واكتسابهم خبرات صناعية وتكنولوجية، وإضافة موقع جديد للانتاج والتصدير.وتم توقيع الاتفاق الخاص بها فى أثناء زيارة صاحب السمو الامير جلوى بن سعود لمصر في 10 -13 ابريل 2007 ومباحثاته مع رئيس هيئة التنميه الصناعيه. ولما كنت قد أشرت الى هذا المشروع في سياق مقال لي بجريدة مصر والعالم ، نشر عقب عودتنا من هذه الزيارة، ضمن وفد مؤسسة الاقرض الاوربيه، الذي رأسه مستر بيتر، فإن عودتي اليوم الى طرق أبواب هذا الموضوع، كانت بمناسبة تجدد الحديث عن قضية الأمن القومي الاكتفاء الزاتى في مصر،
وهنا نسأل : لماذتاخر تنفيذ مثل هذا المشروع؟
ان المتفق عليه في السنوات الأخيرة، عند خبراء استراتيجيات الأمن القومي في العالم، أن التغييرات المتلاحقة في أوضاع العالم، بعد انتهاء النظام الشمولي في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية، ودخولنا عصر ثورة المعلومات، بظروفه وقواعد عمله وتأثيراته، قد أدخلت المزاج النفسي للفرد، وشعوره بالرضا، ضمن أولويات الأمن القومي للدولة. أما كيفية تحقيق ذلك، فبحل مشكلات البطالة، والعلاج الطبي، والتعليم، والقدرة على توفير عمل وسكن، وتكوين أسرة، وكل ذلك عن طريق خطط تنمية، توازن نتائجها بين حجم معدلات النمو، وعدالة توزيع ثماره، واقتحام جميع المواقع التي تتوافر فيها إمكانات ايجاد مصادر إنتاجية يضاف الى ذلك شعور الفرد بصون كرامته، وأمانه، واستقراره النفسي، عندئذ يمكن تحصين أمن الفرد، والذي هو من أهم مكونات الأمن القومي للدولة. فقد أصبح هذا يتصل بذاك، بعد أن صارت إدارة الأمن القومي في العالم بمفاهيمه الجديدة، تضع في حساباتها أن ضعف أمن الفرد يعتبر خطرا على الأمن القومي للدولة... يجرنا هذا الى ما كان قد عرف في إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من تقديم الوكالة منحة لمصر، لإجراء أبحاث علمية لإقامة مصنع ينتج مبيدات زراعية آمنة، توفر علينا الاستيراد من الخارج، وتفتح منفذا للتصدير، وهنا يأتي السؤال تلقائيا : ما الذي وصلت إليه نتائج هذه البحوث التي مضى على إتمامها سنوات؟. وما هو مصير إنتاجها في مصر؟ولأن القضية متصلة الحلقات، فإن حلقاتها تتوالي حتى إننا نجد أنفسنا بالضرورة أمام المشروع القومي لتنمية الصعيد، وكانت فكرته قد ظهرت قبل حوالي عشرةأعوم، وبدأت الدولة في اعتماد المشروعات رسميا وتم أقرها من مجلس الوزراء
أعرف أن مسألة تنمية الصعيد ينظر إليها من وجهة نظر أمنية، تستوعبها حاضرا ومستقبلا، لكن السؤال هو : ألا يمكن أن يتم التعامل معها من وجهة نظر تستوعب الشقين : الشق الأول الأمني، وشق التعمير والتنمية؟وبمناسبة التنمية والزراعة، أشير في هذا السياق الى آراء لعلماء مصريين متخصصين، يملؤهم اقتناع بإمكان التوسع في زراعة القمح، بما يخفف الاعتماد الكبير على الخارج، وتلك قضية أخرى، لها أصحابها الملمون بها كاملة... إنني لست خبيرا اقتصاديا، لكنني أعرف أن الاقتصاد في حسابات استراتيجيات السياسات الخارجية في زمننا هذا، وفي حسابات الأمن القومي، إنما تضع الاثنين عند مستوى واحد : ـ الاقتصاد والأمن القومي.
ففي السنوات العشر الأخيرة من القرن العشرين، دخلت القدرة الاقتصادية التنافسية للدولة، ضمن أولويات مكونات الأمن القومي للدولة. والقدرة الاقتصادية التنافسية لا تقتصر على مجرد الاستحواذ على ما ينتجه العالم من تكنولوجيا متقدمة، لكنها تعنى القدرة على أن تكون أنت منتجا لها، مشاركا بأبحاث علمية ترتقي الى مستوى الكشوف العلمية التي تجعلك، قادرا على أن تضيف الى ما لدى العالم من اكتشافات العلم. فضلا عن أن تمشي هذه الكشوف العلمية، يدا بيد مع احتياجاتك للتقدم الإنتاجي، فتكون قوة دفع وإثراء للإنتاج الصناعي والزراعي، ثم وضع إنتاجك في السوق العالمية، موضع المنافسة والندية مع إنتاج الآخرين، حتى ولو مع الدول الكبرى الأقوى والأكثر تقدما.وهذا هو ما نجحت فيه الهند. وهو أيضا ما سلكت طريقه دول إقليمية صغيرة واقعة في محيط الجوار مع الصين، والتي صنعت معها مشاركة تقوم على أن تشارك مجموعة منها من بينها اليابان، في إنتاج سلعة متقدمة، تساهم كل دولة من الدول الشريكة في هذا المشروع بتصنيع جزء منها، ثم تتلاقى كل المكونات في مركز الإنتاج الرئيسي في الصين، والذي يضع كل قطعة في مكانها، في المنتج النهائي، والذي يصدر الى العالم.ونحن قد طرقنا أبوابا، وسلكنا بعض هذه الطرق : ـ مشروع المدينة الصناعية المشتركة مع السعوديه -الامارات - الخ، وأبواب أخرى تزيد على ما ذكرت بكثير، فلماذا نقطع شوطا ثم نتوقف؟إن الإنتاج ـ والإنتاج التنافسي تحديدا، لم يعد إنجازه مجرد تحقيق للتقدم فحسب بل هو مدخل الى الاستقرار الداخلي، وتفكيك شحنات الإحباط المتراكم، وضبط حالة المزاج النفسي الاجتماعي، وشعور المواطن بالأمان، وتحصين الأمن القومي - فالمسألة كما أشرت في أول الحديث هي مسألة أمن قومي.وما دمنا جزءا من عالم عربي واحد، ينطبق عليه نفس ما ينطبق علينا في هذا الإطار الذي نتعرض له بالمناقشة، فما الذي يحول دون البدء في موضوع التكامل الاقتصادي والصناعى، من هذا النموذج للإنتاج المحلى الذي يطبق الآن في الصين، بتوزيع مكونات إنتاج سلعة متفوقة ومتقدمة ومطلوبة في الأسواق العالمية، على مجموعة دول عربية قادرة ومستعدة للمشاركة في مثل هذا المشروع، ولتكن تلك خطوة على طريق ممتد وطويل للتكامل.وأعتقد أن إمكانات التكامل موفورة في دول عربية عديدة، ـ العلماء، والخبراء، والتجارب العلمية، والقوة العاملة، والمواد الخام، والتمويل. ولعل ما يمثل حافزا للتفكير، ما نراه بين ظهرانينا من منتجات متقدمة تبدأ من السوفت وير، والكمبيوتر، الى السيارة، والآلات الرأسمالية الثقيلة.أليس ذلك أفضل للعالم العربي، من الاكتفاء بالاستيراد، دون أن يكون مشاركا ومنتجا، مالكا للقدرات التنافسية؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق