الثلاثاء، فبراير 22، 2011

من ميدان التحرير(8) بقلم: عمرو حمزاوي

تواصلت معى خلال الأيام الماضية مجموعات من المواطنات والمواطنين الذين شاركوا فى ثورة 25 يناير وساهموا فى انتصارها ليعبروا عن شعورهم بالقلق من أمرين الأمر الأول هو غياب التنظيم الواضح للحركات الشبابية التى أشعلت الثورة وتعدد الأسماء التى باتت تسعى للحديث باسم الشباب.

أما الأمر الثانى فهو محاولات الكثيرين من رموز وشخصيات نظام مبارك البائد القفز على الثورة وتبنى مبادئها بعد أن أسقط الرئيس السابق الذى دافع عنه هؤلاء دفاعا مستميتا ولم يتورعوا عن تشويه الثوار وكيل الاتهامات لهم.

والحقيقة أن الأمرين لا يقلقانى على الإطلاق فغياب التنظيم الواضح للشباب وهو ما يستتبع، فى حالة السيولة السياسية والإعلامية التى نعيشها الآن ظهور العديد من الشخصيات التى تدعى ــ حقا أو باطلا ــ تمثيل شباب الثورة، هو ظاهرة متوقعة وحتما ستنحسر بعد فترة وجيزة. كما أن بعض الحركات الشبابية بدأ وقبل النجاح فى اسقاط مبارك فى تنظيم أنفسها فى شكل ائتلافات تنتخب ممثليها ديمقراطيا وتجمع بداخلها عضوية حركات وعضوية ممثلين عن الشباب فى المدن والأقاليم.

الإشارة هنا على سبيل المثال إلى ائتلاف شباب 25 يناير والذى يطور شكله التنظيمى الآن ويسعى من خلال الشكل الجديد للانفتاح على القوى الوطنية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى حوار وطنى ذى شكل توسعى.

أما ما يسمى بـ«فئران السفينة» كما يسميهم الصديق عمار على حسن، أى الباحثين اليوم عن طوق نجاة من نظام مبارك الذى سقط ويفعلون ذلك بطرق شديدة الابتذال، فقناعتى أن المصريين لفظوهم إلى خارج الحياة العامة ولا عودة لهم إليها مهما غيروا من مواقفهم.

رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف المملوكة للدولة، مديرو المؤسسات الإعلامية الرسمية والمساعدون الرئيسيون، نواب الحزب الوطنى فى مجلسى الشعب والشورى المنحلين، كل هؤلاء وبعد أن ساموا المصريين العذاب وروجوا الزيف بدفاعهم المستميت عن النظام البائد وسلطويته وهجومهم المستمر على دعاة التغيير والديمقراطية لا مستقبل لهم فى الحياة العامة. من وصف إجرام البلطجية بالثورة المضادة، ومن جعل من القنوات الحكومية المصرية أداة لتزييف الوعى العام وتكريس الاستعلاء السلطوى، ومن وصف الشباب الرائع الذى فجر الثورة بأصحاب الأجندات الخاصة والمضللين حتما سيغيب عن الحياة العامة والسياسية قريبا.

أما المؤسسات الصحفية والإعلامية الرسمية، وهى أنشأت ومولت بأموال المصريين، فهى ملك لنا جميعا وينبغى استعادتها لخدمة الوطن والمواطنين بتطهيرها من المنافقين وخدمة النظام البائد ومروجى التوريث وعصابة المال والسلطة، وكذلك بمحاصرة الفساد والفاسدين بداخلها. هذه مهمة وطنية وواجب وطنى علينا جميعا الإسهام به.

صحفيو مصر بيوم غضب : "الشعب يريد إسقاط النفاق" !

القاهرة : نظم الصحفيون العاملون بمؤسسات الصحف القومية المصرية اليوم وقفة ضد الفساد المهني والإداري والذي كانت أحدث شواهده التغطية المشوهة لثورة الشارع المصري .
وأعلن الصحفيون الذين احتشدوا بالعشرات أمام نقابتهم بوسط القاهرة، مطالبهم للحاكم العسكري والتي تشمل إجراءات وقائية لحماية المال العام وضمانة لمحاسبة القيادات الفاسدة، كما أعلنوا ذهابهم إلى ميدان التحرير الجمعة القادمة من أجل عرض مطالبهم والتأكيد عليها، مرددين "يوم الجمعة في التحرير، هنشيل رؤساء التحرير".

 خلال الوقفة تم الإعلان عن تأسيس اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد وإصلاح الإعلام المصري والتي تنطلق الجمعة القادمة بحضور رموز المجتمع بينهم الإعلامي حمدي قنديل.
شارك في الوقفة صحفيون من مؤسسات "الأهرام" و"أخبار اليوم"، "دار الهلال"، "روز اليوسف" ، "وكالة أنباء الشرق الأوسط" ، "دار التحرير"  ودار المعارف (مجلة أكتوبر).
ردد الصحفيون عدة هتافات ورفعوا لافتات تندد برؤساء تحرير ومجالس إدارات الصحف القومية، ومن أبرز ما رددوه "يا جماعة قولوا الحق دول حرامية ولا لأ"، "النهاردة عهدي فضلي .. وبكرة بتوع حبيب العادلي" والشعار الأخير يتزامن مع تحقيقات النيابة مع عهدي فضلي رئيس مجلس إدارة مؤسسة "أخبار اليوم" السابق بتهم فساد مالي.
ومن بين الهتافات التي رددها الصحفيون : "الشعب يريد إسقاط النفاق"، " من سرايا للدقاق .. دول أبطال النفاق" في إشارة لرؤساء تحرير صحيفة "الأهرام" ومجلة "أكتوبر" أسامة سرايا ومجدي الدقاق.

<><><><>
كما أعلن المتظاهرون موقفهم القاضي ببطلان شرعية كل من رؤساء تحرير الصحف القومية: الأهرام، الأخبار، الجمهورية، روز اليوسف، المصور، أكتوبر، وكالة أنباء الشرق الأوسط، منددين بما وصفوه بنفاق هؤلاء وتحولهم من دعم النظام السابق إلى مناصرة ثورة 25 يناير، حيث ردد الصحفيون "قلبوا وعملوا ثورجية، دول  حرامية وضلالية".

في حديثه لـ"محيط" أشار رفعت حسن الزهري سكرتير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط، ومدير مكتبها في فلسطين والسودان إلى أن مطلب إقالة رؤساء الصحف القومية طبيعي بعد أن تحولت تلك الصحف على أيديهم إلى صحف النظام والحزب الحاكم بدلاً أن تكون صوت الشعب.
فضلاً عن وقوفهم ضد ثورة 25 يناير منذ بدايتها، ووصفهم الثوار بالعمالة والخيانة في محاولة لتشويه صورتهم أمام الشارع المصري، مما حدا بالصحفيين الشرفاء اتخاذ وقفة جادة لإنهاء هذه المهزلة، وإعادة تنظيم الصحافة القومية لتصبح خادمة للشعب وليس لأي نظام حكم جديد.
يقول الزهري: سحبنا الثقة من رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد الله حسن عبد الفتاح، وقمنا بطرده من مقر الوكالة يوم السبت التالي لتنحي مبارك.
تعيين الفاسدين
حصل "محيط" على بيان مقدم إلى النائب العام من جمال عبد الرحيم الصحفي بجريدة "الجمهورية" الذي يعرض فيه للفساد المالي والإداري المستشري بجميع المؤسسات الصحفية القومية، وبالتحديد منذ تولي صفوت الشريف رئاسة مجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة.
<><><><>
البيان يتهم الصحفي فيه صفوت الشريف بالتغاضي عمدا عن جرائم الاستيلاء على المال العام التي ارتكبها رؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية القومية، وكذلك رؤساء تحرير الصحف سواء السابقين أو الحاليين رغم تسلمه لتقارير الجهاز المركزي للمحاسبات التي تؤكد الفساد.

ويطالب البيان بسرعة التحقيق مع صفوت الشريف وإحالته للمحاكمة بتهمة الاستيلاء على المال العام، وكذلك مع رؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية القومية السابقين والحاليين.
وقال مقدم البيان لـ"محيط" : أنا وزملائي المتظاهرين انتظرنا استقالة رؤساء التحرير بالصحف القومية فور تنحي مبارك عن الحكم، ولا يشترط أن تكون هناك جهة لتقديم الإستقالة إليه مثل مجلس الشورى أو المجلس الأعلى للصحافة، لأنه يكفي أحدهم نشر الخبر بالصفحة الأولى بجريدته لو أراد .
مضيفا أن القاريء انهارت أمامه مصداقية هذه الصحف، بل وصار يسخر منها، فقد كانت صحف النظام تدافع عنه و"تسجد له كل صباح" وها هي اليوم تنقلب عليه وتنتقده بعد أن سقط .
ويصف الصحفي جمال عبدالرحيم رئيس مجلس الشورى السابق صفوت الشريف بـ"مهندس الفساد" الذي بحسبه عين رؤساء الصحف نظير هدايا ومبالغ مالية، وقد تسببوا في إهدار ما لا يقل عن 4 مليار جنيه خلال السنوات السابقة.
وينتظر جمال عبدالرحيم وزملاؤه تشريعا جديدا ينظم عمل الصحافة في مصر، وإلغاء قانون 96 لسنة 1996 ، وتعديل قانون اختيار رؤساء التحرير بحيث يصبح وجودهم بالإنتخاب وليس التعيين، ولا تزيد مدة بقاء أحدهم إلا دورة واحدة قصيرة .
في حين أن القوانين الحالية تقضي بأن يضم مجلس إدارة المؤسسة الصحفية القومية 6 صحفيين معينين، و6 بالإنتخاب، ودائما ترجح كفة الأصوات بصوت رئيس مجلس الإدارة ، كما يشترط وجود  35 عضوا بالجمعية العمومية معظمهم بالتعيين، ولهذا يدعو البيان لتحويل النظام ليكون اختيار الأعضاء بالإنتخاب كما يحدث في مجلس نقابة الصحفيين.

<><><><>
روزا اليوسف

رحاب لؤي صحفية بجريدة "روزا اليوسف" بدت من المتحمسين لصنع اللافتات وقالت لـ"محيط" : أعمل منذ خمس سنوات بالصحيفة ورأيت كيف تحول رئيس التحرير عبدالله كمال من الدعم الشديد للحزب الوطني إلى جانب المعارضين له ، ما أفقد الصحيفة مصداقيتها وشعبيتها.
حتى أصبحت حسبما تقول تخجل من التصريح بإنتمائها للصحيفة خاصة ورئيس التحرير تجري تحقيقات معه بتهمة الكسب غير المشروع، وبعد أن كانت المجلة توزع 120 ألف نسخة أصبحت المخازن في قليوب متكدسة بالنسخ ، وهو ما يشعر رحاب وزملاءها أن مجهودهم يضيع هباءً .
وقد اقترح الصحفيون على رئيس التحرير تفويض مجلس تحرير بدلاً عنه ولكنه رفض وتحول اجتماع التحرير إلى "خناقة" على حد قولها.
تؤكد الصحفية أن اعتصامهم لا يعطل الحياة في مصر ، بخلاف وقفات العاملين بمؤسسات أخرى كالبنوك والمصانع، وقد بدأ الصحفيون بـ "روز اليوسف" اعتصامهم منذ أمس ومن بين مطالبهم الحصول على حقوقهم في التعيين ما يمكنهم مستقبلا في تعديل سياسة الجريدة التحريرية .
<><><><>
فساد الدقاق

" يا دقاق غور، خلي أكتوبر تشوف النور" بهذا الهتاف وغيره كان يقود مصطفى علي محمود الصحفي بمجلة "أكتوبر" زملاءه المحتجين على سلم نقابة الصحفيين، التقاه "محيط" وقال أنه يرغب في تغيير القيادات الصحفية الفاسدة، وبالتحديد مجدي الدقاق رئيس تحرير مجلة "أكتوبر" لما يراه في أدائه من فساد على كافة الأصعدة ما دفعه وزملاءه لتقديم بلاغات سابقة للنائب العام .
ومن مظاهر فساده الأخلاقي برأي الصحفي سب "الدين والنبي" ، ولكن كما يقول كان قادة الحزب الوطني يتدخلون لدى النائب العام لحفظ البلاغ وعدم التحقيق.
يرى الصحفي أهمية الإسراع بإسقاط بقايا رموز النظام السابق كما سقط رأسه، ويدعو رؤساء تحرير الصحف القومية للإستقالة لأن القاريء يدرك أنهم "عبيد المال" .
من مجلة "صباح الخير" التقى "محيط" بأحد منظمي الوقفة عبد الجواد أبو كاب مساعد رئيس تحرير المجلة، الذي أكد على المطالب السابقة بسبب "ميراث الفساد" الذي صنعه رؤساء تحرير تلك الصحف، فضلاُ عن مطالب الصحفيين بالتعيين بحسب الكفاءة ، معلنا عن تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد وإصلاح الإعلام المصري التي تنطلق رسمياً يوم الجمعة القادم بعضوية رموز المجتمع مثل حمدي قنديل، وممدوح حمزة.
معاناة الجمهورية
الصحفي يسري السيد بجريدة "الجمهورية" ندد بما وصفه بـ "العزب الصحفية" وقال : صحيفة "الجمهورية" تم اختطافها على يد محمد على إبراهيم رئيس التحرير لتتحول من جريدة إلى سوط على ظهر الشعب ، متحولة عن تاريخها كصوت للجماهير كما أراد جمال عبد الناصر حين أنشأها.
يضيف: رئيس التحرير سب الشرفاء بمقالاته، وحول الجريدة أثناء الثورة لساحة توزيع اتهامات، ولكي يتحقق وقف نزيف الاقتصاد الذي دعا من أجله المجلس العسكري الحاكم لوقف حركات الإعتصام بين العاملين بالدولة، إلا أن الفساد هو أكبر مسبب لهذا الإستنزاف .
فصحيفة "الجمهورية" كما يقول الكاتب خلطت بين الإعلان والتحرير عبر حوارات رئيس التحرير مع وزير البترول وشركاته والتركيز على وزير الإنتاج الحربي وجولات بمصانعه .
وتعبر الوقفة بحسبه إلى إعلان شرف الصحفيين العاملين بهذه المؤسسات. <><><><>

 يشير هشام البسيوني الصحفي في "الجمهورية" أيضاً إلى النسبة التي أصبح يتقاضاها رؤساء تحرير المؤسسة، وهي 4 في الألف من إجمالي مبيعاتها، بالرغم من خسائرها الطائلة التي وصلت إلى 230 مليون.
مضيفاً لـ"محيط": لا يمكن أن نترك هؤلاء الفاسدين على رأس المؤسسات الصحفية، التي أصبحت تسحب على المكشوف، مؤكداً أن البنوك أصبحت ترفض ضمان هذه المؤسسات لشراء ورق، ومن ثم ستصبح هذه المؤسسات في خلال شهرين مجرد مبنى، يضم مجموعة من العاطلين!.
في مديح الرئيس
تظاهر عدد من صحفيي مجلة "المصور" لإسقاط رئيس تحريرها حمدي رزق، الذي اعتبره الصحفي محمد دياب "منافق" يكتب بعد عودة الرئيس من رحلة علاجه بألمانيا "عودة الرئيس..عودة الروح"، وبعد نجاح الثورة، وسقوط مبارك، يكتب على غلاف المجلة "مصر..عودة الروح".
وقال الصحفي طارق سعد الدين أن رزق وصل لمنصبه بعد سلسلة مقالات مدح لمبارك منها واحدة بعنوان"النبي تبسم" في إشارة إلى ابتسامة حسني مبارك وهو يفتتح أحد المشروعات!.
يواصل طارق: بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة ألبس رزق على غلاف مجلته أحمد عز تاج توت عنخ آمون وكأنه فرعون، لأنه استطاع هزيمة المعارضة! ويوم 26 يناير نشر صورته داخل غرفة عمليات وزارة الداخلية، وحمل غلاف المجلة كلمات عن معاقبة المخربين!.
يتساءل الصحفي: كيف يمكن لرزق محاربة النظام أو انتقاده وهو جزء منه ومن فساده؟ كما كان يسرق موضوعات زملاءه وينشرها بصحف لبنانية!

أوهام مصرية أسقطتها ثورة 25 يناير

في وعي الشعوب تعشش الأوهام أحياناً. وقد تفرّخ هذه الأوهام خرافات وأكاذيب وأســاطير. ولنعترف أن شيئاً من هذا عرفناه في العقود الماضية. لكن حينما غربت شمس الخامس والعشرين من يناير كانت تغيب معها في الوقت ذاته أوهام كادت تفقدنا الثقة في أنفسنا. اليوم تتبدّد أوهام وتنجلي حقائق.
1
كان الوهم الأول بعمر أكثر من ألف عام. حين كتب ابن خلدون في مقدمته الشهيرة أن»المصريين مع من غلب». كان هذا التعبير المرادف اليوم لما نصفه بالجبن والخنوع تعبيراً مريراً محبطاً. حاول الكثير من الكتاب والمثقفين في السنوات القليلة الماضية الإجابة عن السؤال الذي بدا أزلياً لماذا لا يثور المصريون؟ لكن دون جدوى. رسّخ هذا الوهم أساطير الاستبداد التي عاناها المصريون القدماء في العصر الفرعوني. كان الفرعون هو الوجه المقابل للخنوع والقهر. ظللنا عبر آلاف السنين نسائل أنفسنا: هل الجماهير الخانعة هي التي تصنع الحاكم المستبد أو أن الحاكم المستبد هو الذي ينتج الخنوع؟ حاول المصريون ومنهم مثقفون كبار تلطيف مفهوم الاستبداد وتجميله بعبارة أن مصر كانت على الدوام دولة مركزية قوية. وكأن الدول لا تكون قوية ولا تُحكم سيطرتها إلا بشعب خائف خانع.
ربما يرى البعض أن ثورة 1919 تنفي ما يوصف به المصريون من خنوع وخوف. لكن الواقع التاريخي يشهد أن ثورة 1919 تبدو كالاستثناء الذي يؤكد القاعدة. والمؤكد أن المؤرخين سيتوقفون طويلاً عند ثورة 25 يناير في مقارنتها بثورة 1919. الفوارق عديدة بين الثورتين. أولها أنه ليس لدينا توثيق مصوّر بأحداث ثورة 1919 وتفصيلاتها، فلم تكن هناك مئات الكاميرات ولا عشرات الفضائيات ولا البث المباشر على الهواء. أما ثورة يناير 2011 فهي تمتلك توثيقاً شديد التفصيل بالصوت والصورة بفضل تقنيات الاتصال ووسائل التواصل الحديث. بل إننا أصبحنا نفاجأ كل يوم بأفلام صوّرها هواة وأشخاص عاديون يتم بثها على موقع اليوتيوب تسجل مشاهد لا يمكن بحال من الأحوال مقارنتها بما حدث في ثورة 1919.
أما الفارق الثاني بين الثورتين فهو أن ثورة 1919 كانت ضد قوة احتلال أجنبي، وهي من هذا المنظور لا تنطوي على أمر خارق أو مفاجئ، لأن الشعوب بفطرتها الوطنية مهيأة للثورة ضد الاحتلال الأجنبي. فالثورة في هذا السياق فعل من أفعال المقاومة الطبيعية والمتوقعة لا أكثر. أما ثورة يناير 2011 فهي تكتسب صفتها الثورية وتستحقها، لأنها كانت تنشد الحرية والكرامة والعدالة في مواجهة سلطة وطنية مدججة بقبضة أمنية باطشة بحّ صوتنا من نصحها وتحذيرها، وحزب حاكم قيل إن عدد أعضائه تجاوز الملايين، وإعلام مارس على مدى عقود الغسل المنظم للأدمغة. وها نحن نكتشف أن حزب الملايين قد تهاوى في أيام، لأنه لم يكن حزباً لأفكار بقدر ما كان منتدى لمجموعة من الانتهازيين وأصحاب المصالح. أما الإعلام فأصحابه اليوم في سباق مع الزمن لتغيير جلودهم.
2
الوهم الثاني الذي سقط في ثورة يناير هو غياب الجدية وعدم الانتماء لدى شبابنا. كان شبابنا الذي اتهمناه ظلماً بالسطحية والعبث هو المخطط والمفجر لثورة يناير 2011 وهو وقودها الحي الذي قدم من زهرات عمره المئات من الشهداء. ولو أننا عدنا بالذاكرة إلى الأيام القليلة السابقة على 25 يناير لوجدنا اهتماماً فاتراً من أحزاب المعارضة وجماعة الإخوان المسلمين بالاشتراك في تظاهرة الغضب التي دعت إليها حركة شباب 6 إبريل. لم يكن الأمر في اعتقاد الكثيرين يتجاوز مجرد «تظاهرة» لمجموعة من الشباب الغاضب. تلكأ البعض في الانضمام إليها في بداية الأمر وتساءل البعض الآخر عن حقيقة أمرها. كان ذلك تعبيراً عن حالة يأس انتاب الناس إثر فشل المئات من التظاهرات في السنوات الأخيرة (باستثناء أحداث المحلة الكبرى منذ عامين) والتي لم يتجاوز عدد المشاركين فيها بضع مئات أو آلافاً قليلة.
وحده الشباب كان وعيه ينصهر على نار هادئة وإرادته تنضج دون أن يشعر بها أحد وسط صخب الإعلام الكذوب. بدا شباب الفايسبوك إذن متوثباً متشوّقاً للتضحية وقد ضحّى بالفعل. من المؤكد أنه كان لمشهد الأحداث في ثورة تونس دور في تأجيج غضب الشباب المصري أشبه بزر إشعال الصواعق، وكان لمقتل الشاب السكندري خالد سعيد على أيدي رجال الشرطة دور آخر في تراكم الغضب وتكثيفه في نفوس الشباب بحيث لم يتبق سوى زرالإشعال، وقد تكفل به الشباب في تونس. المهم في نهاية المطاف أن وهماً آخر قد تبدد وسقط هو ما كنا نطلق عليه في مصر سلبية الشباب وضعف شعورهم بالانتماء. بدا هذا الوهم الذي سقط وبصرف النظر عن أية تحليلات أو تقييمات أخرى هو أجمل وأسعد وأعظم لديّ من أية نتائج أخرى لثورة 25 يناير! فالأنظمة تذهب وتجيء لكن عودة الوعي هي الهدية التي طالما ضنّ بها التاريخ علينا!
كان القلق قد استبد بنا ونحن نردد أن شبابنا غارق في اللامبالاة والسطحية وعدم الاكتراث. كان الألم يعتصرنا ونحن نتوهم أن العولمة قد استلبت شبابنا من وطنهم فإذا بهؤلاء يفاجئوننا وهم يوظفون بشكل مدهش أدوات العولمة وتقنياتها الحديثة في تبني قضايا وطنهم على مواقع الفايســبوك والتويتر. لم يعد شبابنا هم أبناء العولمة الغامضة الماكرة بل بقوا أبناء الوطن وفوق ذلك أظهروا روحاً إنسانية دفعت العالم كله إلى احترامهم والإعجاب بهم. بفضلهم عشنا اللحظة التي يقول فيها رئيس أميركي إن شباب مصر قد ألهمنا. من حقنا اليوم أن نفرح بعودة الوعي لشبابنا وأن نغني وراء أحمد فؤاد نجم «يا عم حمزة .. رجعوا التلامذة.. للجد تاني!!».
3
الوهم الثالث الذي أسقطته ثورة 25 يناير هو الخطر الأصولي الذي يهدد مصر بتأثير جماعة الإخوان المسلمين وما أفرزه هذا الوهم من اصطناع حالة عداء ديني بين المسلمين والمسيحيين في مصر. جاءت أحداث 25 يناير لتثبت أن الوهمين كانا أضغاث أحلام. فالملايين التي خرجت منذ 25 يناير قد جمعت برؤية العين كل أطياف الأمة المصرية مسلمين ومسيحيين، منتمين لجماعة الإخوان ولغيرها من الأحزاب والتجمعات والحركات، فقراء وأغنياء، رجالاً ونساء وأطفالاً، كادحين وبسطاء وعاطلين عن العمل مع مثقفين وفنانين وخريجي الجامعة الأميركية... ما كل هذا البهاء أيها الوطن ؟ صحيح أنه كان للإخوان دور تنظيمي هام في أحداث الثورة لكنهم انتزعوا إعجاب الجميع بحسهم الوطني وأسقطوا وهماً كبيراً أنهم حتماً سيقفزون على أية ثورة شعبية تشهدها مصر.
فاجأنا الإخوان ونجحوا بامتياز في امتحان كبير وحاسم وهم الذين فشلوا في امتحانات سابقة أصغر وأقل شأناً حين انعزلوا عن الجماعة الوطنية وأعلوا مصالحهم التنظيمية الضيقة على صالح الوطن.
يرتبط بذلك سقوط وهم آخر كبير وخطير هو حالة الاستعداء المجتمعي بين مسيحيي مصر ومسلميها. كنا نردد في الآونة الأخيرة مصطلح الاحتقان الديني وأن مصر مقبلة على فتنة تهدد نسيجها الوطني فإذا بثورة 25 يناير تكشف لنا أن الأمر لا يعدو وهماً نسجه البعض باقتدار ودهاء وخسّة. سقط الوهم بمشهد المسلمين الذين كانوا يحرسون الكنائس من خلال عمل اللجان الشعبية التي تشكلت تلقائياً.
سقط الوهم بمشهد المسيحيين الذين كانوا يحرسون المسلمين في أثناء أداء صلواتهم في ميدان التحرير.
4
يقول الشاعر الراحل أمل دنقل:
«كان النشيد الوطني في المذياع ينهي برامج المساء
وكانت الأضواء تنطفئ
والطرقات تلبس الجوارب السوداء
وتغمر الظلال روح القاهرة
وكان مبنى الاتحاد صامتاً منطفئ الأضواء
تــسري إليــه من عبير هيلتون أغنية طروب
وكان وجهه النبيل مصحفاً
عليه يقسم الجياع......»
* كاتب مصري

الوطني يحاول العودة إلى الشارع معتمداً على ثروات أعضائه ودعم أجهزة الأمن

اجتمع أعضاء هيئة مكتب الأمانة العامة للحزب 'الوطني' الحاكم سابقا وأعضاء الأمانة العامة وأمناء المحافظات في مقر الحزب في الجيزة أمس الأول، برئاسة محمد رجب الأمين العام المساعد وأمين التنظيم والقائم بمهام الأمين العام خلفا للدكتور حسام بدراوي، لدراسة مستقبل الحزب في ضوء المتغيرات التي شهدتها البلاد بإسقاط الرئيس مبارك ورموز الحزب.
وقرر رجب خلال الاجتماع تكثيف نشاط أمناء الوحدات الحزبية في المحافظات وتسخير جميع الإمكانيات لإعادة الحزب 'الوطني' إلى مقدمة الحياة السياسية في أقرب وقت، والعمل على تحسين صورته في الشارع، بحيث يتمكن أعضاء الحزب من المنافسة على المقاعد البرلمانية في جميع المحافظات والحصول على نسبة كبيرة من هذه المقاعد لإعادة صورة الحزب 'الوطني' لدى الرأي العام.
وطالب رجب رجال الأعمال ونواب الحزب السابقين والطامحين في مقعد البرلمان على مستوى جميع المحافظات بدعم أمانات الحزب في محافظاتهم مادياً لتحقيق النتيجة المرجوة، ووعد الجميع بأن 'الحزب لن ينسى لهم ما قدموه من أجله في هذه الظروف الصعبة، وبالتالي فإن الحزب بعد أن يحصل على مكانته من جديد سيرد إلى كل عضو مخلص ما قدمه مضاعفاً'.
وأشار الأمين العام المساعد للحزب 'الوطني' إلى أن فرق العمل في الحزب عادت إلى مواقعها وأهمها الشباب المكلف أمور الدعاية للحزب على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وبدأوا منذ أول الأسبوع الجاري عملهم نحو الدعوة على شبكات التواصل الاجتماعي الأكثر جماهيرية 'تويتر' و'فيس بوك' وتوجيه كتابات وأفكار الشباب باتجاه تكريم الرئيس السابق محمد حسني مبارك، في الوقت الذي تزايدت الدعوات إلى تكريم مبارك ورموز الحزب 'الوطني' السابقين، والتعليقات المؤيدة للحزب ورموزه على جميع المواقع أو الكتابات المناهضة للرئيس مبارك ورموز نظامه.
وأشار مصدر قريب الصلة لـ'الجريدة' إلى أن قيادة أمنية كبيرة توجهت إلى مقر الحزب 'الوطني' في الجيزة واجتمعت مع رجب مدة ساعتين ونصف الساعة وقدمت إليه تقارير وافية عن الحالة الأمنية في البلاد وتحركات أمانات الحزب في المحافظات وتحركات المعارضة منذ بداية ثورة '25 يناير'. وأكدت المصادر أن رجب طلب من القيادة الأمنية مساعدة الحزب للنهوض من كبوته.
يذكر أن عددا كبيرا جدا من أعضاء الحزب تقدموا باستقالات مسببة من الحزب منذ قيام ثورة '25 يناير' وقدرها قيادات في الحزب بنحو 12 ألف عضو على مستوى الجمهورية. وذكر أغلب المستقيلين أن السبب في الاستقالة هو الصورة السيئة التي بات المواطن المصري يرى بها الحزب 'الوطني'، كما ذكر فريق آخر من المستقيلين أنهم فوجئوا بكم الفساد الهائل المنسوب إلى قيادات من الحزب.

ما فعله الحزب الوطني بمصر‏ بقلم د جابر عصفور

لا أظن أن حزبا من الأحزاب‏,‏ طوال تاريخ الأحزاب المصرية‏,‏ وحتي أحزاب الأقليات‏,‏ قد فعل بوطنه ما فعله الحزب الوطني عبر تاريخه الطويل نسبيا‏,‏ بالقياس إلي حزب الاتحاد الذي قاده وفبركه زيور باشا رئيس الديوان الملكي في عهد الملك فؤاد‏,‏ أو حزب الشعب الذي صنعه صدقي باشا‏

مزورا الانتخابات‏,‏ وملفقا دستور‏1930‏ الذي رفضته القوي الوطنية‏,‏ وحاربته إلي أن أعادت دستور‏1923‏ الذي صاغته لجنة الثلاثين التي أطلق عليها سعد زغلول اسم لجنة الأشقياء لأنها لم تكن تضم ممثلين من حزب الوفد‏,‏ ولكن هذه اللجنة صاغت الدستور العظيم الذي اضطر الملك فؤاد إلي إصداره بمرسوم ملكي‏,‏ بعد أن لم تنجح محاولاته في السيطرة علي اللجنة‏,‏ أو تقييد نزاهتها أو الانحراف ببعض النصوص‏,‏ فكانت النتيجة أفضل دستور عرفه التاريخ المصري الحديث‏.‏

وبرغم كل ما وجهه البعض من انتقاد إلي نصوصه‏,‏ فيكفي هذا الدستور أنه كان وراء الانتخابات النزيهة التي أدت إلي الانتصار الساحق للوفد في الانتخابات‏,‏ واكتساحه بقية الأحزاب‏,‏ وتولي الزعيم سعد زغلول الحكم علي أساس من الدستور الذي صاغته لجنة أخطأ سعد زغلول في تسميتها لجنة الأشقياء بينما كان الأجدر به أن يسميها لجنة الحكماء الذين نرجو أن يكون لدينا مثلهم في هذا الزمن الصعب أما الحزب الوطني فقد فاق في أفعاله وتبريره الحكم التسلطي الذي ابتليت به مصر‏,‏ ومارس الحزب بنفسه من أشكال القمع‏,‏ ما عاشت به مصر أصعب مرحلة في تاريخها الحديث ويمكن لي‏,‏ بوصفي مثقفا وطنيا مستقلا‏,‏ لا ينتمي إلي أي حزب‏,‏ أن أقرر أن ممارسات الحزب الوطني أدت إلي الكوراث التالية‏:

أولا‏:‏ إفساد الحياة السياسية باحتكار السلطة‏,‏ وما لازم ذلك واقترن به من تزوير إرادة الأمة‏,‏ والتلاعب الفاضح بانتخابات مجلسي الشعب والشوري وآخر كوارث هذا التلاعب التزوير المشين الذي حدث في كارثة الانتخابات الأخيرة لمجلسي الشعب والشوري‏,‏ الأمر الذي أدي إلي إلغاء المعارضة‏,‏ ومن ثم انتقالها من تحت قبة البرلمان إلي الشارع الذي وصل غضبه إلي درجة الانفجار الجماهيري الذي أشعله شباب وطني‏,‏ كان طليعة لثورة‏25‏ يناير وقلبها النابض وعقلها اليقظ‏,‏ وذلك علي نحو يذكرني‏-‏ والقياس مع الفارق‏-‏ بثورة‏1919‏ التي بدأت طليعتها من كلية الحقوق التي تبعتها بقية الجامعة المصرية‏,‏ فانتقلت العدوي إلي كل طوائف الشعب الذي تيقظ حسه الوطني وإرادته في الحرية والاستقلال والعدالة الاجتماعية‏.‏

ثانيا‏:‏ محاولة إضعاف الأحزاب المعارضة علي نحو مستمر ومتزايد‏,‏ فضلا عن التآمر لإجهاضها من داخلها‏,‏ والتضييق القمعي علي حرياتها وحقوقها السياسية‏,‏ وذلك بما أدي إلي ضعف أحزاب المعارضة الشرعية‏,‏ ومن ثم نزوعها السلبي وميلها إلي التصالح مع حكومات الحزب الوطني المتعاقبة‏,‏ واكتفائها بدور الديكور أو التصالح مع السلطة بأساليب مباشرة وغير مباشرة‏,‏ وأضيف إلي ذلك انتقال عدوي التسلط من الحزب الوطني إلي الأحزاب الرسمية المعارضة‏,‏ ومن ثم انتقال البنية البطريركية التراتبية من السلطة القائمة إلي الأحزاب التي غدت لا تختلف في بنياتها الداخلية عن بنية السلطة القائمة في الأغلب‏,‏ سواء من حيث البناء الهرمي أو التراتب العمري الذي يضع الشباب في الذيل‏,‏ أو يجعل هذه الأحزاب في حال من الجمود الغالب‏,‏ فبدت كأنها صورة مماثلة للنظام الحاكم‏.‏

ثالثا‏:‏ إفساد الممارسة الديمقراطية بتقليص الحريات إلي أقصي درجة‏,‏ واحتكار وسائل التعبير والإعلام‏,‏ ومنها الصحافة التي أطلق عليها اسم قومية كما لو كان غيرها يفتقد هذه الصفة النبيلة‏,‏ فكان الوضع أشبه بتسمية جماعة الإخوان المسلمين التي توهم أن أعضاءها هم المسلمون وغيرهم لا ينتمي إلي الإسلام مثلهم وأضف إلي ذلك وسائل الإعلام وأصحاب الفكر الحر فيها‏,‏ سواء كان الإعلام حكوميا أو خاصا‏,‏ وما حدث لكل من حمدي قنديل وعمرو أديب ومحمود سعد مثال يدل علي حالات أخري من القمع المباشر وغير المباشر‏,‏ المعلن وغير المعلن‏,‏ في كل وسائل الإعلام‏,‏ وكانت النتيجة أن تحولت وزارة الإعلام إلي وزارة دعاية للحزب وحكومته‏,‏ وتحولت الجرائد والمجلات القومية في أغلبها إلي جرائد ومجلات يغلب عليها النفاق والملق والمداهنة‏,‏ واقترن التعيين فيها بالولاء للحزب الوطني والطاعة الكاملة له‏,‏ فضلا عن التبرير لأفعاله والتخييل بصادق وطنيته إلا من عصم الله‏.‏

رابعا‏:‏ تشجيع التحالف الشائن بين السلطة ورأس المال‏,‏ وتبنيه والدفاع عنه للأسف وهو الأمر الذي تسبب في نهب المال العام وأراضي الدولة معا‏,‏ سواء من أصحاب الثروة الذين أوصلهم الحزب إلي الوزارة‏,‏ أو الذين عينهم وزراء‏,‏ أو الذين استغلوا علاقاتهم ومراكزهم القوية حزبيا في المتاجرة بأمراض المواطنين‏,‏ وذلك بما انقلب بمهنة الطب من رسالة إنسانية إلي وسيلة للتربح وتكديس الملايين‏,‏ فظهر أباطرة التجارة بصحة المواطنين في موازاة إمبراطور صناعة الحديد الذي كان لسوء ذمته المالية والسياسية ما أدي به إلي احتكار صناعي‏,‏ حدث تحت أعين الشعب ورغم أنفه‏,‏ أضف إلي ذلك الذين تسببوا في كوارث أودت بحياة الآلاف من الأرواح البريئة‏,‏ ابتداء من كارثة العبارة الشهيرة‏,‏ وليس انتهاء بالمتاجرة بمستلزمات طبية فاسدة‏,‏ أو نهب الأموال المخصصة لعلاج المواطنين الذين فقدت أغلبيتهم الرعاية الصحية‏,‏ في موازاة فقد التعليم السليم‏,‏ والتكافل الاجتماعي الذي هو قرين العدالة الاجتماعية ولن ننسي نواب القروض‏,‏ أو الذين استغلوا عضويتهم في مجلس الشعب أو الشوري في تعيين الأقارب والمحاسيب والتسابق في مخالفة القانون‏.

خامسا‏:‏ الإسهام في خلق أوضاع غير إنسانية من التمييز الاجتماعي والطبقي بين أغلبية ساحقة من الفقراء الذين ازدادوا فقرا وجوعا‏,‏ والأغنياء الذين ازدادوا ثراء وفحشا وفجورا‏,‏ يعف قلمي عن ذكر أمثلته المعروفة‏,‏ وهو الأمر الذي وصل بالتمييز الطبقي إلي ذروته الوحشية التي اقترنت بوصول أكثر من أربعين في المائة إلي خط الفقر‏,‏ ووصول ملايين إلي ما دون خط الفقر بكثير‏,‏ في أوضاع غير مسبوقة من المهانة‏,‏ غاب فيها حتي رغيف الخبز‏,‏ وشرب المعذبون في الأرض من مياه مختلطة بأوساخ الصرف الصحي‏,‏ وأكلوا خضراوات مروية بمياه المجاري‏,‏ وسمعنا للمرة الأولي‏,‏ في التاريخ المصري الحديث‏,‏ عن من ماتوا في طوابير التزاحم علي رغيف خبز‏,‏ ناهيك عن إنفلونزا الخنازير التي كان شباب الإخوان المسلمين أكثر فاعلية في مقاومتها من شباب الحزب الوطني‏,‏ وقس علي ذلك غيره‏.‏

ومع ذلك كله‏,‏ كانت حكومة الحزب الوطني وأمانة سياساته تتباهي بمعدلات تنمية‏,‏ لم ينل المحرومون شيئا منها‏,‏ وقد صدق الفريق أحمد شفيق‏,‏ رئيس الوزراء الذي أحترمه وأثق في نزاهته وجديته‏,‏ عندما سخر من أوهام قادة هذا الحزب وأمانة سياساته عندما تخيلوا أن خطتهم في التنمية أشبه بزراعة شجرة تفاح علي الشعب الفقير الانتظار الطويل إلي أن تثمر وتتساقط ثمارها‏,‏ لكن الثمار لم تسقط علي المحرومين‏,‏ فقد قطفها الذين يملكون ما يكنزون الثروة‏,‏ ولم تصل إلي الفقراء من الأغلبية المعذبة في الأرض‏,‏ فكان الغضب المكتوم قرين العنف الذي لم يكف عن ممارسته الذين لا يجدون ما يأكلون أو ينفقون‏,‏ خصوصا في العشوائيات وعزب الصفيح التي لا تزال محتدمة بالغضب والحقد علي سكان المدن السياحية والـ‏Compounds‏ الراقية واعتصر الألم قلوب الشرائح الدنيا من أبناء الطبقة الوسطي الذين لم يجدوا سوي التعليم الحكومي المجاني‏(‏ ؟‏!)‏ بالغ السوء والتخلف بينما أبناء غيرهم يدخلون مدارس راقية مثل أسرهم‏,‏ وتتراوح تكاليف التعليم في بعضها ما بين ثلاثين ألفا‏,‏ وما يزيد عن المائة ألف جنيه‏,‏ حيث توجد حمامات السباحة الفاخرة إلي جوار مسارات الخيول وما أشبه مما لا يعلمه ابن من أبناء الطبقة الوسطي مثلي‏,‏ فأصبح التعليم موازيا للتناقض الطبقي الرهيب بين أكثرية محرومة وأقلية محدودة جدا وكان ذلك نتيجة امتلاك حوالي خمس وعشرين أسرة في مصر للثروة والسلطة‏,‏ الأكثرية الغالبة منها مقربة من سدنة الحزب الوطني‏.‏

وكان ذلك نتيجة انفراد عدد بالغ القلة من الأسر التي امتلكت الثروة واحتكرت السلطة بفضل عضوية الحزب الوطني‏,‏ والصعود الانتهازي السريع لدرجاته‏,‏ فانقسم المجتمع انقساما عدائيا ما بين أكثرية أضناها الفقر‏,‏ ظلت أسيرة مساكنها البائسة وعشوائيتها المحتشدة بالعنف والجهل والمرض والعقائد الخرافية‏,‏ التي ضحك بها علي عقولهم من يماثلونهم في الجهل بأمور دينهم الذي يأمر بالبر والتقوي والتكافل الملازم للعدل الاجتماعي الذي ضاع تحت أقدام الذين كدسوا المليارات‏,‏ ونهبوا ثروات الشعب بلا رحمة‏.‏