الخميس، مارس 17، 2011

التعديلات الدستورية ومتعة الحيرة بين "لا ونعم بقلم بسيوني قمصان

 
في أولى الثمار الدستورية  للثورة المصرية يتوجه يوم السبت القادم ملايين المصريين للتصويت على التعديلات الدستورية الممهدة لانتخابات تشريعية ورئاسية وإعداد دستور جديد يتواءم مع مصر ما بعد ثورة 25 يناير.

وفي هذا المشهد التاريخي الفارق جدير بنا تسجيل بعض الملاحظات لهذا المشهد السياسي للتعليق عليها وللوقوف على مبررات الموافقين والرافضين للتعديلات، في أول استحقاق دستوري بعد ثورة 25 يناير.

المدعوون للاستفتاء أكثر من 45 مليون مواطن مصري، وهو أكثر عدد في تاريخ الانتخابات والاستفتاءات في تاريخ مصر، وكانت لجنة التعديلات الدستورية حريصة على إتاحة التصويت بالبطاقة الشخصية التي يملكها كل المواطنين، لا البطاقة الانتخابية وكشوفاتها التي كانت تستخدم للتصويت نيابة عن الشعب!

ولعل هذه الملايين المدعوة لم تشهد من قبل استفتاء نزيهاً  بإشراف قضائي كامل، خالياً تلاعب من كشوفات الناخبين المتوفين، أو تحرشات البلطجية على أبواب اللجان.

 أو تزوير الموظفين القائمين على الصناديق، أو تلاعب أبواق النظام في الصحف القومية وتلفزيون الدولة بالرأي العام ومحاولة تشكيله بما يوافق اتجاهات السلطة.

ولعلها لأول مرة أيضاً منذ عقود طويلة يتوجه المصريون لصناديق إبداء الرأي وهم لا يعلمون ماذا تكون النتيجة، فكلنا كان يعلم النتيجة التي ستعلن للاستفتاءات السابقة سواء استفتاءات التعديلات الدستورية، أو تلك المتعلقة بالاستحقاقات الرئاسية. لكن هذه المرة لا أحد يستطيع أن يجزم بالنتيجة.

وقد اعتبر الموافقون على هذه التعديلات أنها تحقق الغرض المطلوب منها، وهو التمهيد لانتخابات برلمانية ثم رئاسية ليقوم الجيش بإنهاء مهمته الوطنية في إدارة شؤون البلاد في هذه المرحلة الحرجة.

 وتسليم البلاد لسلطة منتخبة من الشعب المصري، ليتفرغ لمهامه الأساسية في الدفاع عن البلاد وسلامة أراضيها، ويترك الحكم السياسي للسياسيين المنتخبين انتخاباً شرعياً.

أما الرافضون لها فيقولون إنه لا تحقق مطالب الثورة من الدستور الكامل، وأنه لابد من تعجيل الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية،  لأن المجتمع غير مهيأ لانتخابات تشريعية حالياً، وإلا فاز بها الإخوان وفلول الوطني.

ويرد آخرون من الموافقين بأن التعديلات تنص على إلزام المؤسسات الدستورية المنتخبة بإعداد دستور جديد، وأن الموافقة على هذه التعديلات لا تعني الموافقة على أي دستور قديم آخر، بل الموافقة على التعديلات فقط، وأنه في حالة النتيجة بالرفض فستطول فترة الحكم العسكري.

 وهذا يخالف مطالب الثورة، وأن الذين يطالبون بتقديم الانتخابات الرئاسية على البرلمانية هم المرشحون للرئاسة، وأن هذا يعني وجود رئيس بدون جهة تحاسبه كما كان الأمر قبل الثورة.

 وأن الشعب المصري أثبت أنه لا وصاية عليه من أي جماعة سياسية، وأن القول بأنه غير مهيأ للانتخابات يرجعنا لتصريحات رئيس الوزراء ونائب رئيس الجمهورية ما قبل الثورة.

وفي ظل متعة الاختيار هذه التي حرمنا منها، نرى المترددين أمام صناديق الاستفتاء يكررون ما حدث منذ عقود عندما أعلن مجلس قيادة الثورة فى 5 مارس 1954 أنه سيلغى حالة الطوارئ وسيشكل جمعية تأسيسية لإعداد الدستور وسيلغى الرقابة على الصحافة والنشر.

 ثم فى 25  مارس قرر حل نفسه والسماح بقيام الأحزاب، فقامت الاضطرابات العمالية خوفاً من عودة أحزاب بشوات ما قبل الثورة وضياع مكتسباتها، وكانت النتيجة أن ضاعت فرصة إقامة حياة ديمقراطية سليمة، واستمر حكم الفرد حتى قامت ثورة الشعب المصري في 25 يناير 2011.

وها نحن نرى اليوم مجلساً عسكرياً حاكماً يضع جدولاً زمنياً لنقل السلطة، في حين يطالبه البعض بإطالة مدة هذه الفترة لأن الشعب المصري الذي ثار هذه الثورة العظيمة "غير مهيأ للانتخابات".

 وهي وجهة النظر نفسها التي سمعناها من قبل من رئيس الوزراء ونائب رئيس جمهورية ما قبل الثورة، وهو نفس ما حدث منذ 57 عاماً.

وأيا ما كان رأيك عزيزي القارئ في التعديلات بنعم أو لا، فلنتفق جميعاً على احترام الرأي الآخر، وعلى أهمية المشاركة الإيجابية في الاستفتاء. وعلى قبول ما يقرره الشعب المصري صانع ثورته، وليكن معيار اختيارنا هو مصلحة البلد اليوم وغدا، والوفاء للشهداء الذين ضحوا بحياتهم لأجل حريتنا نحن.

ليست هناك تعليقات: