الأحد، مارس 15، 2009

رحلة مع النحل

رحلة مع النحل
دفعتني نحلة إلى رحلة. الرحلة لم أكن قد خططت لها. و مكان الرحلة كان إلى عالم النحل العجيب. سبب هذه الرحلة حديث نبوي.فلقد قرأت ما جاء في شعب البيهقي عن مجاهد قال:صاحبت عمر بن الخطاب رضي الله عنه من مكة إلى المدينة فما سمعته يحدث عن رسول الله إلا هذا الحديث: " إن مثل المؤمن كمثل النحلة. إن صاحبته نفعك، وإن شاورته نفعك، وإن جالسته نفعك، وكل شأنه منافع " لماذا شبه الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن الحق بالنحلة ؟ خاصة أنه قال في حديث آخر: " المؤمن كالنحلة إن أكلت أكلت طيبا وإن وضعت وضعت طيبا وإن وقعت على عود لم تكسره " وأثناء رحلة البحث عن الإجابة عن هذا السؤال جاءت هذه اللقطات . اللقطة الأولى: .يظهر فيها كيف يتعامل هذا المخلوق مع أوامر الخالق فمنذ أن أوحى الله سبحانه وتعالى إلي النحل " وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون* ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا......"(النحل 69) منذ ذلك الوقت يستحيل أن تجد للنحل بيوتا في غير هذه الأمكنة الثلاث: الجبال.. والشجر.. والبيوت. على نفس ترتيب الآية. أمر من الله. أعقبه تنفيذ من النحل.بلا تسويف ولا تحايل ولا تباطؤ . أنها صورة تعكس أرقى درجات السمع والطاعة للخالق من مخلوق. اللقطة الثانية: "فمن اجل أن تقوم النحلة بإطعامنا كيلو جرام واحد ومن العسل إنها تقوم بما يقرب 600ألف إلى 800الف طلعة وتقف على مليون زهرة وتقطع ما يزيد عن 10أضعاف الكرة الأرضية رغم الرياح والأنواء". وكأن الرسول لما شبه المؤمن الحق بالنحلة أراده أن يتمثل هذا الخلق. وأراده أن يتحلى بثقافة النحل في السمو, وعلو الهمة, والتعامل مع الأمور بجدية, وقوة من يبتغي وجه الله اللقطة الثالثة: ويظهر فيها كيف أن النحل يجيد توظيف الطاقات. فمن النحل من يعمل العسل, وبعضها يعمل الشمع, وبعضها يسقي الماء, وبعضها يبني البيوت, وبعضها يقوم بأعمال النظافة، وبعضها يقوم بأعمال التكييف والتبريد والتهوية, وبعضها يقوم بالتلقيح, وبعضها يقوم الاستكشاف والاستطلاع. الكل يعمل وينتج. كل حسب سنه ووظيفته وقدراته وميوله واستعداداته. فلقد علمنا النحل من خلال هذه اللقطة أنه من لا يجيد توظيف الطاقات يغرق في العثرات. ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينوه- لي ولك- أن يتحلى كل منا به بهذا الخلق. اللقطة الرابعة: ويظهر فيها أحد طبائع النحل العجيبة. فالنحل يرفض رفضا باتا أن يوجد في مملكته عاطل عن العمل " فمن طبائع النحل أنها لا تترك عندها بطالا إلا نفته وأبعدته وأقصته عن الخلية. لأنه يضيق المكان. ويفني العسل. ويعلم النشيط الكسل. وهذه مهارة إدارية راقية ما أحوجنا أن نتمثلها واقعا في حياتنا الإدارية. اللقطة الخامسة: تظهر كيف أن النحل يفضل العمل في صمت وهدوء وبعيدا عن أعين الناس. فيروى أن آرسطاطاليس صنع بيتا من زجاج لينظر إلى كيفية ما يصنع النحل. فأبت أن تعمل حتى لطخته بالطين من الداخل. لطخته بالطين حتى تنأى بنفسها عن الظهور. وكأنها وعت خطورة آفة الرياء والنفاق وحب الظهور وحب الرياسة وكلها آفات مهلكات. لطخة بيتها بالطين من الداخل بحثا عن الإخلاص. وكأنها تدرك قول ابن القيم رحمه الله تعالى:(الإخلاص ألا تطلب على عملك شاهداً غير الله، ولا مجازياً سواه). لطخته وكأنها أرادت أن ترسل لنا من- خلف الطين -رسالة مفادها أن عليكم بالإخلاص في كل أعمالكم وأقوالكم. و لعله الدرس الذي أراد الرسول صلى الله عليه وسلم من تشبيه المؤمن بالنحلة أن يأخذه عنها و يتعلمه منها. اللقطة السادسة: - ويظهر فيها مجموعة الآفات التي تعوق النحل عن العمل والإنتاج والتميز هذه الآفات هي: الظلام الغيوم الرياح الدخان الماء النار وكذلك المؤمن له آفات تبعده عن العمل والإنتاج والتميز في حياته منها: - ظلام الغفلة غيوم الشك رياح الفتنة دخان الحرام ماء السمعة نار الهوى. كما قال ابن الأثير اللقطة السابعة: - ويظهر فيها مجتمع النحل وهو لا يستطيع أن يعيش أو ينتج أو يعمل إلا في جماعات. فإذا ما انعزلت إحداها عن جماعتها لسبب من الأسباب فإنها تسارع إلى أن تنضم إلى جماعة أخرى من طبيعتها. إذا قبلتها فنعمت. وإن تموت.لها فإنها تموت.نعم تموت. تموت ببعدها عن الجماعة. فكأنها تدرك أن (الجماعة رحمة و الفرقة عذاب ). كأنها تعلم ( أن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار)، و كأنها وعت قول سيدنا على رضي الله عنه:( كدر الجماعة خير من صفو الفرد). كأنها تريد إن تذكرنا- ونحن في زمن التشرذم- بما جاء في الصحيحين: «أن مَن فارق الجماعة شبراً فمات، فميتة جاهلية». اللقطة الثامنة: - ويظهر فيها إلى حسن استخدام النحل إلى الوقت. فالنحل لديه قدرة فائقة على الاستخدام المزدوج للوقت. فهو لا يضيع وقته أبدا فيما لا فائدة منه. بل يستغل كل ثانية فيما هو نافع." فمثلا في طريقها الذي قد يصل إلى عشرات الكيلو مترات من مكان رحيق الأزهار إلى خلاياها. تجري النحلة عدة عمليات كيميائية بالغة التعقيد لتحويل الرحيق إلى عسل. ويتم هذا في الطريق ولا تنتظر حتى تعود. " ولقد أخذ اليابانيون هذه الفكرة من النحل في مجال الصناعة . فمعروف أن اليابان ليس عندها مواد أولية. وهم من كبار مصدري الستانلس.هذه المادة تتواجد بوفرة شاسعة فى استراليا والمسافة بين البلدتين شاسعة. فصنع اليابانيون بواخر عملاقة تصل إلى أواخر استراليا. تأخذ المواد الأولية من هناك. وفي الطريق إلى أسواق الشرق الأوسط يتم تصنيع هذه المواد الأولية في البواخر أثناء العودة. ثم يتم تسليمها مصنعة جاهزة إلى أسواق المستهلكين في كل مكان. وهذا ما تفعله النحلة. وهذا ما يجب أن يتحلى به المؤمن الحق. فالوقت سلاح ارتقى من أتقن حسن استغلاله وتعس من عطله.
من إعداد
ابوالحجاج مكى
162427235

ليست هناك تعليقات: