الثلاثاء، مارس 29، 2011

كفانا فزاعات بقلم: عبدالفتاح البطة

ظل الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة لفترة طويلة يستمع لأصوات كثيرة من العالم الإسلامى بأن الجماعات الإسلامية عموما وخاصة جماعة الإخوان المسلمين جماعات خطرة لا يجوز رفع عصا الإضطهاد والقمع من على رأسها .
وحمل لواء هذه الفرية وروج لها تكرارا ومرارا الرئيس السابق حسنى مبارك ورئيس مخابراته عمر سليمان ووزير داخليته حبيب العادلى وأبواق الحزب الوطنى من رؤساء تحرير ورؤساء مجالس إدارات  الصحف المسماة بالقومية
ولما إنقلبت الأحوال فى مصر رأسا على عقب وقالت واشنطن إن الجماعة يمكن التعامل معها وأنها يجب أن تشارك فى الحياة السياسية مثلها مثل غيرها إستجاب الجميع ورفع مسمى المحظورة الذى دمغت به الجماعة طويلا ، وأصبح قادتها ملء السمع والأبصار فى كل وسائل الإعلام التابعة سابقا للحزب الوطنى ومباحث أمن الدولة سيئة السمعة  .
ولو أنصف هؤلاء الجماعة وأنصفوا أنفسهم فيما سبق وقالوا إن الجماعة فيها المحسن الذى يستحق الشكر والتقدير وفيها المسىء الذى يستحق العقاب والتنكيل لكان كلامهم الآن عن الفزاعة الجديدة المسماة الدولة الدينية والمادة الثانية من الدستورمستساغا ومقبولا . فالجماعة ليس كل عناصرها ملائكة ولا جميعهم شياطين ، ولا يجوز للمتشدقين بالليبرالية والحرية أن يضعوا فئة بأكملها أوتيارا بأكمله سواء كان التيار السلفى أوالإخوان المسلمين أوالجماعة الإسلامية أوحتى جماعة الجهاد الإسلامى فى مربع كله سواد ، فرب العزة أنصف غير المسلمين بقوله ( ليسوا سواء .. ) ( آل عمران – 113) .
ومع ذلك ، تحول الغمز واللمز فى الجماعة إلى مسار آخر  ، وهو الحديث عن المادة الثانية من الدستور التى تقول بأن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى من مصادر التشريع فضلا عن الحديث عن فزاعة جديدة قديمة تسمى الدولة الدينية .
وإذا إنقلب الحال وإفترضنا أن واشنطن رفعت إعتراضها على الفزاعتين الجديدتين لتحول هؤلاء كما تحولوا فى مواقفهم من النظام السابق وكل مظالمه ومفاسده التى يلعنونها الآن بعد أن كانوا يسبحون بها ليل نهار .
وإذا كان القصد بالفزاعة الجديدة هى التجربة الأوروبية فى العصور الوسطى من حيث سيطرة الكنيسة على كل مفاصل الحياة والتدخل فى كل شىء بما فى ذلك الإكتشافات العلمية والفلكية فهذا لا علاقة له بالإسلام .
فلم نشهد على مدار التاريخ الإسلامى دورا لعلماء الأزهر الشريف ولا علماء البيت الحرام فى مكة المكرمة ولا شيوخ الإسلام فى الأستانة أيام الخلافة العثمانية كما كان الحال مع الكنيسة أيام عصور الظلام .
فإستدعاء دور الكنيسة الأوروبية عند الحديث عن الدولة الدينية فى الإسلام  إفتراء متعمد وتضليل مقصود وظلم كبير للشريعة الإسلامية السمحاء .
فالكنيسة فى أوروبا كانت تحكم بإسم الرب تحلل الحرام وتحرم الحلال ، والويل والثبور لمن يخالف حتى ولو كان ملكا متوجا .
أما فى الإسلام ، فالحاكم مثله مثل غيره لو سرق طبق عليه حد السرقة وكذلك لو شرب الخمر أوسرق لا يكون معفيا من تطبيق الحدود عليه ، كما أن الحاكم المسلم لا يستطيع أن يحرم أويحلل من عندياته ، وإنما التحليل والتحريم لابد له من دليل من كتاب الله عز وجل أوسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وبفهم العلماء الربانيين وليس علماء السلطة المعينين من قبل الحاكم ، فالمرجعية فى الإسلام لا تتغير ولا تتبدل بتغير الأشخاص والأهواء والأماكن والأزمنة .
ولا يخلو الأمر من أمثلة لحكام مسلمين أساءوا إلى الإسلام فى عصور مختلفة ، ولكن خطأ هؤلاء لا ينسب للنظرية وإنما ينسب للإنحراف فى التطبيق ولإنحراف الأفراد أنفسهم .
فالنظرية محكمة لا يتطرق إليها الشك ولا تقبل الإستدراك كما فى دساتير البشر التى تعالج مشاكل آنية فى بيئات محدودة وتفتقد للإحاطة بكل الأزمنة وكل الأماكن وكل الخلق ، لذا تعالج خللا فى ناحية لتخلق عورات فى ناحية أخرى تحتاج معها لإجراء تعديل وراء تعديل وتجربة وراء تجربة  .
أما الخبر اليقين فهو فى الشرع الإسلامى المحكم كما قال رب العزة سبحانه وتعالى : ( إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز -  لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) ( فصلت – 41 – 42 ) .

وإذا كان المقصود بالدولة الدينية هو نظام الملالى فى إيران وولاية الفقيه الذى لا يخطىء أبدا وكل أوامره مطاعة ولا جدال فيها والذى يحلل زواج المتعة وأخذ الخمس ويسب أمهات المؤمنين والصحابة رضوان الله عليهم ويدخل أغلبهم النار  ، فهذا كذلك لا علاقة له بالإسلام الصحيح .
إما إذا كان المقصود هو تحريم ما حرمه الله من شرب الخمر والزنا والسرقة والكذب والرشوة وإقامة الحدود وعدم محاربة الفضيلة  من إرتداء النقاب أوالحجاب الشرعى وتوقير نبى الإسلام والعمل بسنته وتوقير صحبه الكرام   ، فأى مسلم قرأ كتاب الله وعرف تفسيره ولو مرة واحدة وفهم سنة النبى صلى الله عليه وسلم يكون على خطر كبير إذا إعترض على هذه الأمور .
وإذا كانت الدولة الدينية هى تحكيم شرع الله فى العبادات والأحوال الشخصية ومجمل القواعد الفقهية التى أصلها العلماء، وترك الأمور الدنيوية من إقامة الطرق وإنشاء المصانع وتشجيع الإختراعات النافعة للناس وغيرها من الأمور التى لا نص فيها وتخضع للإجتهاد والشورى ، فما الذى يعيب المسلم من الدعوة لها والدفاع عنها ؟
وما الذى يجعله خائفا من الإتهام بالإرهاب والرجعية والتخلف والعودة إلى عصور الظلام وغيرها من النعوت التى لا تتفق مع الدعوة إلى حرية الرأى والتعبير، اللهم إلا إذا كانت تلك الحرية لا تعنى إلا الإنخلاع من الدين وشطب أكثر من 14 قرنا من تاريخ الإسلام .
وأتحدى المخوفين لنا من الدولة الدينية أن يذكروا مثالا واحدا من دولة دينية فى الشرق أوالغرب تجلت فيه المثالية من رحمة وعدل وحرية فضلا عن سيادة المسلمين للدنيا كلها كما تجلت فى أيام أبى بكر وعمربن الخطاب  وعثمان بن عفان  وعلى بن أبى طالب  وعمر بن عبد العزيز رضوان الله عليهم ، وكما تجلت بدرجة أقل أيام هارون الرشيد والمتوكل وعماد الدين زنكى ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبى .
وعلى العكس من ذلك ، نجد الأمثلة على رموز الدولة المدنية التى تنحى الدين جانبا وتفتح الباب لكل الموبقات والسرقات والمظالم التى يندى لها الجبين ممثلة فى أحمد عز وزهير جرانة والعادلى وأحمد المغربى وجمال مبارك وصفوت الشريف وسوزان مبارك وحسين سالم ومنير ثابت والمجلس القومى للمرأة وكل رجال الأعمال وأعضاء الحزب الوطنى والصحفيين والإعلاميين الفاسدين ممن يقبضون الملايين شهريا مقابل النفاق وتبرير السرقة والظلم .
و الله عز وجل عندما يخاطب رسوله قائلا : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ( الأنبياء – 107 ) قصد بتلك الرحمة شرع حكيم يحق الحق ويبطل الباطل وينصف المظلوم ويأخذ على يد الظالم ، وهى الرحمة التى تجلت فى قول عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه لما أرسل عماله لتوزيع الحبوب على الفقراء فعادوا بها عندما لم يجدوا فقيرا واحدا يأخذها فقال لهم تلك القولة الذهبية : ( إنثروها على رؤوس الجبال حتى تعلم الدنيا كلها أن أمة محمد تكرم الحيوانات )

ليست هناك تعليقات: