لقد كان ومازال الرهان الأكبر هو على ضمير الأمة وأن التغيير سيأتى من شبابها، وبكل فخر لم نكسب الرهان فقط . . بل ربحنا ثقـتنا فى أولادنا إنهم حُراس مُستقبل مصرنا، وفوزنا بعودة روح هى بمثابة بعث جديد لمرحلة فاصلة فى تاريخ مصر تفجرت يوم 25 يناير، وقد سبقتها مراحل مخاض وحراك اجتماعى وإعلامى وسياسى وفنى، رصدت مؤشراتها منذ عقد من زمن مضى .
عشر سنوات حفلت بصراعات مع النفس، اتسمت بالكر والفر من زبانية الحاكم الظالم، هرباً من أجهزة أمن نظام كان همُه الأول حماية نفسه، وتـثبيت أقدامه على كراسى السُلطة، طمعاً فى استمرار بسط نفوذه وتكريس سطوته على عامة شعب مصر، فكانت حرارة غضب الشباب ترتفع تدريجياً، تتوقف حينا وتتوارى أخرى، وتتفجر حالات غضب هُنا وهُناك لم ترق لمستوى الثورة، لكثير من الأسباب حيث كانت تتأجل بفعل أعمال قمع رجالات أمن النظام، فينتشر الخوف والرهبة فى عدم وصول الثقة بالنفس إلى مُستوى التمرد على الظلم، لكن كانت هناك ثورة اجتماعية وحالة من الغليان الاجتماعى تحت الرماد، وكثير من الناس ينظرون حولهم فى حالة بحث عن ساعة الصفر .
أيضا منذ بداية الألفية شهدت شوارع مصر من وقت لآخر حالات من الاعتصامات والاحتجاجات والمُظاهرات لفئات عُمالية ومهنية، تعرض مطالبها فى علانية لم تكن معهودة من قبل على الشكل الذى كانت عليه، فكانت لافتات حملت تعبيرات، وكانت شعارات وصراخ لأصوات سعت لدفع الظلم عن نفسها، حقيقة لم تكن فى ميدان التحرير، لكنها كانت على بُعد أمتار قليلة منه، على أرصفة شوارع القصر العينى بالقاهرة، وكانت فى ميدان لاظوغلى بالقرب من وزارة الداخلية، هذه كانت بعض من مُقدمات حراك اجتماعى حقيقى جمعتها علاقات سببية .
كما أن مُعظم وسائل إعلام المُعارضة والمُستقلة بجرأتها، وتخطيها فى حالات بعينها الخطوط الحمراء فتحت بشكل مُباشر بعضا من ملفات فساد، وفى حالات أخرى استخدمت أساليب التورية والإشارات الضمنية لفساد مسئول كبير أو عائلته، وكثير من كُتاب الصُحف غير الحكومية كانوا دائماً يطلقون شرارات انتقادية، وعلى سبيل المثال لا الحصر أخص بالذكر زميلنا الراحل الكاتب مجدى مهنا، الذى دق نواقيس الخطر لكثير من قضايا الفساد، وطالب بشكل مباشر بمحاكمة مسئولين متورطين فى إهدار حقوق الوطن .
ولا ننكر أن الحراك الإعلامى قد ساهم فى زيادة مساحات التنبيه والتحذير من مخاطر تفشى أنواع الفساد، وفى ذات الوقت اتسم بالتحريض الإيجابى بأساليب التقطير الثورية، وهى لُغة فهمها شباب ثورة 25 يناير منذ سنوات وتجانس معها، وشعر تجاهها بالاطمئنان أنه ليس وحده فى ساحة الغضب .
أما على الجانب السياسى فكانت حركة كفاية التى سبقت شباب ثورة 25 يناير إلى ميدا ن التحرير وطلعت حرب، وكان اسمها – كفاية - بكلمة واحدة فقط يُعبر عن شعار" الشعب يريد إسقاط النظام "، وكانت أيضاً حركة شباب 6 أبريل وهى سياسية مصرية مُعارضة ظهرت في عام 2008، وقد أنشأها بعض الشباب المصري، وهى التى ظهرت على الساحة السياسية عقب موجة الإضراب العام التي شهدتها مصر في 6 أبريل 2008 بدعوة من عمال غزل المحلة، ومعظم هؤلاء من الشباب الذين لا ينتمون إلى تيار أو حزب سياسيى .
وقد لعب فن الشباب أيضا دورا لا يُستهان به، وبالتحديد موسيقى وأغانى الراب، ومن أشهر المجموعات الشبابية عرفنا كل من ( إيجى راب سكول وإسماعيلية سولجر ) egy rap school - ismailia soldiers حيث كانت أغانى هؤلاء يتناقلها الشباب عبر الموبايل، وكانوا يرددوها فى بداية ظهورها سرا فى الخفاء وكأنهم يتعاملون مع ممنوعات، وكلمات أغانى الراب كانت تصف الأحوال السياسية والاقتصادية المُتردية، وتحث على رفض الظلم وتطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية للشعب المصرى، ومن يدرس بعناية كلمات هذه الأغانى يجدها وقد تضمنت قائمة مطالب بتصحيح أوضاع مقلوبة، وانتقادات الأمور المعوجّة .
- كان هذا قليل من كثير استخدمته فى حواراتى مع أناس للتصدى لأفكار مشوشة ومغلوطة حاولوا من خلالها الترويج بأن ثورة 25 يناير ليست من إرادة حقيقية لشباب مصر، إنما هى بفعل خطة أجنبية أسموها الفوضى الخلاقة " مؤامرة " قال لى بعضهم إنها إسرائيلية، وآخرون إنها أمريكية، لكنى قلت لهم إنها ثورة حقيقية وليست مؤامرة، لأن إسرائيل ليست صاحبة مصلحة فى أن تتحول مصر أو غيرها من الدول العربية لنظام ديمقراطى، وهى – إسرائيل – التى تتشدق أمام العالم الغربى أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة فى منطقة الشرق الأوسط، تريد أن تحتفظ بهذا الشعار الإعلامى الذى يكسبها فوائد واحترام أمريكا وأوروبا، وفى المُقابل بالطبع يكون نصيب الأنظمة والشعوب العربية من الغرب أقل تقديرا من إسرائيل .
الأمر الثانى هو أن " بنيامين نتينياهو " رئيس الوزراء الإسرائيلى منذ مُنتصف يناير الماضى قد دافع بشكل واضح عن الرئيس المصرى السابق " حسنى مبارك " ونظامه، من أجل استمرار تدفق الغاز المصرى ليسعد به الشعب الإسرائيلى، الذى استفاد بخفض أسعار الكهرباء، ومن أجل مخاوفه من حدوث تغيير فى هيكل جمهورية مصر يفقده مزايا إسرائيلية بدأت باتفاقية كامب ديفيد مرورا باتفاقية الكويز .
وثالثا أن السياسة الإسرائيلية تبذل جهودا كبيرة منذ اتفاقية السلام مع مصر فى تقليص دور مصر " الإقليمى بصفة خاصة " ووضعها فى حالة من عدم التوافق مع شقيقاتها العربية، ومنعها من أن يكون لها دور ريادى فى المنطقة العربية أو أفريقيا، وعلى ذلك فإن نجاح ثورة مصرية تحدث تغييرات تحول نظامها من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، ويضعها فى مصاف الدول المُتقدمة ذات الأنظمة السياسية المقبولة لدى المجتمع الدولى، لا ترغب فيه إسرائيل .
لكل هذا أقول إن 25 يناير ثورة مصرية خالصة الدماء الوطنية . . إنها ثورة كانت لها مُقدمات بقوة دفع احتقان اجتماعى، وغضب شعبى استمر لسنوات طويلة شهدت فقرا وقهرا وفسادا، نعم هى ليست مؤامرة . . إنها ثورة فلا تسرقوها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق